أكد الدكتور جيمس واتسون الحاصل على جائزة نوبل لأبحاثه في مجال مادة (d.n.a) أن أصحاب نسبه الذكاء المنخفض الذين لا يشكون من إعاقة عقلية محددة يعانون في الواقع من خلل موروث وإنه بفضل العلم الحديث والتقدم في مجال الهندسة الوراثية يمكن التغلب على هذا المرض!! ما هي ماهية الذكاء؟ وهل هو صفة مكتسبة أم له استعداد وراثي جيني؟ ذلك لأن العلاج الجيني يتطلب زرع الجينات في مراحل مبكرة جدا من النمو الجيني حتى يتم إدخال الصفة الوراثية في الجهاز الوراثي للجنين لينمو بها ثم يعبر عنها..أما إذا كانت المسألة متعلقة بالهرمونات أو الأنزيمات فالمسألة ممكن تعالج بالعقاقير والأدوية في الأعمار المختلفة.
توجهنا بكل هذه التساؤلات إلى الدكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي وزميل الكلية الملكية للطب النفسي لندن.. فقال أن الذكاء هو مرادف النبوغ.. الحكمة.. القدرة على حل المشكلات.. التمكن من التصرف.. وهل هو نقيض الغباء أي السلوك البطيء وردود الفعل السقيمة وعدم القدرة على التصرف وانعدام وعدم الانتباه لما يدور حول الشخص! أم الذكاء هو نقيض القصور العقلي حسب مقاييس الاختبارات والعمر العقلي وغيرها ممن يقع في إطارها الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة.
وإذا كان بالإمكان تعريف الذكاء، فهو تلك القدرة الذهنية الخالصة التي تمكن صاحبها من الفهم والاستيعاب، والتصرف، والتحرك، والتذكر، والتفاعل بشكل متمكن، وتكون له نتائج طيبة، كما أنه أيضا يمثل مجموع الذكاء الانفعالي الوجداني، والنفسي، والحسابي، والعقلي.. وهو حقيقة مرتبط بالشخصية وبالبيئة المحيطة إلى حد بعيد، لهذا فان استخدام الهندسة الوراثية لعزل ( الجين) المسئول عن( الغباء) حديث مغلوط لأن الغباء هو مزيج من السلوك، الشخصية، الحركة، درجه استخدام الذكاء، وكما أن فيه جزءا بيولوجيا فإن أغلبه اجتماعي بيئي. فالأطفال الأذكياء الذين يتربون في بيئة فقيرة ذهنيا، وتعليميا واجتماعيا وماديا تموت لديهم الحواس فلا هم يرون ألوانا كثيرة مبهجة، ولا يشاهدون برامج راقية، ويتلقون قدرا لا بأس به من العنف اللفظي والجسدي والمعنوي يحط من ذكائهم ومن شخصيتهم، وهنا فإن من يتمكن منهم من الهرب من هذا (الجحيم البيئي) قد يستطيع فيما بعد تنمية ذكائه، ويبرز هنا السؤال ما معنى برامج تنمية الذكاء التي تقدمها المراكز النفسية؟! تعني ببساطة مجموعة من التمرينات الذهنية المتدرجة لتدريب الذهن لاستخدام أقصى طاقاته العقلية في تواز جميل مع رفع كفاءه الذكاء الاجتماعي عن طريق المسرح النفسي ( السيكودراما) والعلاج باللعب والموسيقى وحل الأحاجي واستخدام الكمبيوتر.
ويضيف الدكتور خليل فاضل لكن ما تفسير الذي يقال عن أن اينشتين كان متواضع الذكاء وأن فلانا أصبح عبقريا برغم تعثره الدراسي، في الحقيقة أن الأمثلة كثيرة جدا، ودائما فان التحصيل الدراسي الذي تقيسه امتحانات معينة وضعها أناس معينون مختلفو الذكاء تكون في الغالب مقياسا ضعيفا لاختبار عبقرية الأفذاذ من العلماء وقد نستطيع القول أن مفهوم الذكاء لدى الخاصة من المحترفين (أخصائيي النفس، الأطباء...) أسوأ بكثير من مفهوم العامة عنه، فالمدرسون والمختصون يتهيأ لهم خطأ أن الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء وما ينتج عنه وهو(معدل الذكاء) Io، ولقد أثبت البحث العلمي أن هذا محض هراء، لأن الذكاء ليس (واحدا) أنه أكثر من ذكاء، وكذلك (الغباء) فتعدد ومختلف باختلاف الظرف والمكان، وهنا فإن اختبارات الذكاء تلك تقيس فقط 10% من مهارات الفرد في الحياة بعدئذ فكثير من الناس يمتلكون البداهة وحسن التصرف، لكنهم غير متفوقين في دراستهم، و آخرون فقيرون جدا، (اجتماعيا) و(سلوكيا) وشطار جدا فطالب الثانوية العامة الحاصل على 100% قد لا يستطيع التعامل مع رباط حذائه مثلا.
وتقول الدكتورة أميمة خفاجي أستاذ مساعد الهندسة الوراثية بجامعه قناة السويس: الدراسات العلمية تشير إلى أن جميع القدرات العقلية بما في ذلك الذكاء تتطور أثناء نشاط الإنسان اليومي وهذا يعني أنها ليست فطرية.. وبما أن الذكاء وظيفة المخ فهو لا يظهر إلا عن طريق تبادل المعلومات مع البيئة حيث ينشأ أثناء عملية الممارسة الواعية.. كما أن الحدود القصوى للسعة الذهنية تفرضها بنية العقل وهي المخ والتي تحدد من قبل الجينات ولاشك أن الجينات تثبت أنها تلعب دورا أساسيا في كل شيء حتى في السلوك والاستعداد للأمراض النفسية والعصبية ولكن أن تؤثر الجينات على الذكاء والغباء فهذا هو المدهش حقا.
وإذا كان الأمر كذلك يصبح الإنسان مسيرا مجبرا على درجة إدراكه بجميع القضايا. ومما لاشك فيه أن تلك الحدود القصوى للسعة الذهنية تختلف من شخص لآخر حيث تعتمد على الكيفية التي تعمل بها الجينات، وهذا يعني وجود حدود قصوى للمعلومات المخزونة في ذاكراتنا.. ويبدو أن انعدام الأهمية التطبيقية للحدود القصوى المقررة وراثيا لكل منا لم تأخذ قدرا وافيا من الدراسة، و لأننا لا نتمكن أبدا من الوصول إليها، فحتى أكبر عباقرة العالم وعلمائه وفلاسفته، لا يستغلون كل قوتهم الذهنية الشاملة، أماالإنسان العادي فلا يستعمل إلا جزءا ضئيلا جدا من القابليات الذكائية المتاحة.
ولما كان التعلم والذاكرة اثنين من المكونات الأساسية لحل مشكلة ما فلن يكون من المستغرب تماما إذا ما أدت زيادة مهارة التعلم والذاكرة إلى تحسين الذكاء. وهناك دراسة تكشف عن وجود حقيقة ملموسة بأن هناك مداخلة جينية في العلاقة بين التعلم والذاكرة.
وتهدف الناحية التطبيقية لهذه الأبحاث إلى البحث عن المواد الكيميائية التي تعزز الذاكرة، فمثل هذه الأدوية يمكن أن تحسن الذاكرة لدى مرضى الإصابة المبدئية بألزهايمر طالما عرف واكتشف أن زيادة وتحسين فعالية المادة nr2b في المخ يحسن من التعلم والذاكرة خاصة أنه تتناقص كميته مع التقدم في العمر.. وبالطبع سيكون الهدف الثاني هو البحث عن الجينات المسئولة عن هذه العوامل المكتشفة وتتجه شركات الهندسة الوراثية إلى الأبحاث الخاصة باستخدام الجينات الوراثية لغرض تحديد جزئيات تشكل أهدافا محتملة لعقاقير تعالج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي مثل فقدان الذاكرة والخرف. وترك الأبحاث الحديثة على أن الأمراض النفسية كالاكتئاب تتأثر إلى حد له مغزاه بمدى تأثير واحد أو أكثر من المرسلات العصبية في أجزاء المخ المختلفة، ويؤكد ذلك استخدام العقاقير ذات التأثيرات القوية على السلوك كثيرا ما يكون بسبب تعديل مستوى تركيز المرسلات العصبية.
فوجود فعالية العقاقير النفسية والمرسلات العصبية يوضح الطبيعة البيوكيميائية للسلوك.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل يولد الإنسان غبيا؟ فيظل مسيرا رغم أنفه!! حبيسا لجيناته الغبية؟
وهل يعد الغباء وراثة.. قدرا.. لا يمكن رده.. كالبلاء.. والزواج والمرض والميلاد والموت؟!!
وإذا كانت المسألة متعلقة بالوراثة والجينات فهل يمكن استبدال جينات الغباء بأخرى مسئولة عن الذكاء؟ وإنجاب أطفالا أذكياء حسب الطلب؟ ولنتذكر أولا أن كلمة وراثة لا تعني بالضرورة اكتساب صفة ما من الآباء أو الأجداد ولكن تعني أيضا وجود سبب متعلق بالجينات ( موروثات وسميت بذلك لأنه في الغالب يورث الخلل الجيني في الأجيال القادمة) وقد يورث هذا التغير في الجينات وقد لا يورث وقد ينتج هذا التغير الجيني في الجينات نتيجة لتعاطي بعض الأدوية والمنشطات والمنبهات والكحوليات وغيره من العوامل المؤثرة على الجينات.